في شهر رمضان المبارك تتجلّى إرادة الخير بأروع صورها في التدريب العملي والنفسي للسيطرة على الغرائز الطبيعية، وفي تصعيد روح المقاومة والصمود أمام التحديات...
شارک :
الإنسان هو الموجود الوحيد بين الكائنات الحية الذي يمتلك «إرادة» وهذه الإرادة هي من نتاج نفخة روح ربّ العالمين ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ فهو سبحانه فعّال لما يريد، بمعناه المطلق، وخليفته في الأرض يمتلك هذه الإرادة في حدودها النسبية التي تؤهّله لممارسة دور الاستخلاف.
تعاليم السماء بأجمعها تتجه إلى تقوية هذه الإرادة لتتغلب على قوى الشرّ الشيطانية التي هي أيضًا تمتلك الإرادة ولكنها تسخّر إرادتها لتُفسد في الأرض وتهلك الحرث والنسل.
تعاليم السماء تتجه إلى تصعيد إرادة الإنسان على طريق الخير ولما ينفع الناس، وعلى طريق دفع شرور الفاسدين والعابثين.
الساحة البشرية إذن ساحة صراع الإرادات.. إرادة الخير وإرادة الشر، إرادة الخروج من الظلمات الى النور، وإرادة الخروج من النور إلى الظلمات، إرادة الحبّ وإرادة الحقد والكراهية، إرادة الإحياء وإرادة الإبادة والهلاك.
في شهر رمضان المبارك تتجلّى إرادة الخير بأروع صورها في التدريب العملي والنفسي للسيطرة على الغرائز الطبيعية، وفي تصعيد روح المقاومة والصمود أمام التحديات؛ وفي التاريخ البعيد والقريب رأينا المواجهة بين قوى الشرّ وقوى الخير في هذا الشهر الكريم بالذات.
في صدر الإسلام شاهدنا هذه المواجهة في بدر، وربّما في الخندق، وفي عصرنا هذا نشاهد المواجهة ترتفع وتشتد ثقافيًا وإعلاميًا وسياسيًا وعسكريا بين أبناء فلسطين والعدوّ الصهيوني، بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقوى الهيمنة العالمية، بين الرافضين للتطبيع مع الكيان العنصري الصهيوني وبين اللاهثين وراء إرضاء أعداء الإنسانية مهما كلّف الثمن.
إن المشاهد التي تسود الأوساط الإسلامية داخل البلدان الإسلامية وخارجها تبشّر بالخير، فموائد الإفطار الجماعي ممدودة، وأدعية الداعين مرفوعة، وأموال المتمكنين مبذولة.. إلى جانب كل هذا نرى مقاومة المقاومين متصاعدة.. تقف بوجه الصهاينة الذين يحاولون تدنيس المسجد الأقصى ويسعون إلى مزيد من الهدم والتجريف في فلسطين، وإلى زيادة معاناة الشعب الفلسطيني وقتل أبنائه وزجّ رجاله ونسائه في سجون الاحتلال.. ومع كل هذا فهذا الشعب صابر محتسب مقاوم لا يلين ولا يتراجع عن حقّه.
إن الشعب الفلسطيني في ساحة المواجهة بين إرادة الخير وإرادة الشرّ قد أدّى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، وتصاعدت هذه المواجهة في الشهر الفضيل، وراح يرفع صوته يهتف «هيهات منا الذلة»، وراح يدعو الله بقوله سبحانه ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ وهيهات أن يخلف سبحانه الميعاد إذ قال وقوله الحق ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ وقال: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ وقال جلّ مِنْ قائل ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
هذا الوعد الذي قطعه ربّ العالمين على نفسه سبحانه موجّه لا إلى الشعب الفلسطيني فحسب، ولا إلى محور المقاومة فقط، بل إنه موجّه إلى كل أبناء أمتنا الإسلامية، يحثّهم على أن يهبّوا لنصرة المظلومين ومقارعة الظالمين.
هذه النداءات الإلهية يجب أن يكون لهافي شهر رمضان المبارك التأثير الدافع نحو كل خير، والمقارع لكل شرّ.
المسلمون اليوم يعيشون في أجواء تكالبت فيه عليهم قوى الظلام، تثير عليهم الإسلاموفوفيا، وتستهين بمقدساتهم.. بقرآنهم.. برسولهم الكريم.. بعقائدهم.. وتسحق كرامتهم وعزّتهم في غزّة وتحاول تشويه صورتهم أمام الرأي العام العالمي.
ومن جهة أخرى يعيش المسلمون أجواء تحمل معها بشائر خير تتمثل في عودة العلاقات الطبيعية بين بلدان ذوي القربى، متذكرة قول الشاعر: إذا احتربت يومًا فسالت دماؤها تذكرت القربى فسالت دموعها
ومتذكرة قبل هذا قوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ .
إنّ هذه البشائر تقضّ مضاجع الصهاينة وأعداء الأمة، لذلك فإن قوى الشرّ هذه تنشط من أجل توسيع دائرة التطبيع، وتحاول أن تقيم الأحلاف من أجل زعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الفتنة والفساد في المنطقة.
ليكن شهر رمضان المبارك منطلقنا نحو وأد الفتنة والقضاء على الفساد والمفسدين.. منطلقنا نحو شدّ أواصر الأخوّة وأن نكون كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه أزر بعض.. منطلقنا نحو تحرير القدس والأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر منطلقنا نحو إنقاذ غزّة من هذه الإبادة الجماعية، منطلقنا كي نثبت في يوم القدس أن القضية الفلسطينية نعيشها بوجداننا ونعتزم حلّها حلاً عادلاً بإرادتنا بإذنه تعالى.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية