شهدت الخرطوم ومدن سودانية أخرى، في الذكرى الأولى للانقلاب، تظاهرات حاشدة دعت إليها "لجان المقاومة" و"القوى الثورية"، على رغم مواصلة القوى الأمنية قمع المحتجّين، الذين قُتل منهم في غضون عام واحد، نحو 118، وهو ما عدّته "قوى الثورة" وكلّ القوى الرافضة للانقلاب، سبباً كافياً لرفض أيّ تفاوض مع الانقلابيين.
شارک :
ومنذ الـ25 من تشرين الأول 2021، تعيش البلاد حالةً من الفراغ الدستوري، يعزّزه غياب الحكومة، فيما يُمسك قائد الجيش، البرهان، بجميع السلطات السياسية والعسكرية والاقتصادية بيده، ويعاونه عدد من وزراء حكومة تصريف الأعمال التي شكّلها في أعقاب استقالة حمدوك، وانسحابه من المشهد السياسي في كانون الثاني الماضي.
وعمل البرهان، خلال هذا العام، على إعادة جميع مفصولي الحركة الإسلامية إلى الوظائف العامة، وتعويضهم ماليّاً عن كامل المدّة الزمنية التي قضوها من دون عمل.
وبأمرٍ من السلطات القضائية، أُعيدت غالبية ممتلكات قيادات "حزب المؤتمر الوطني" المصادَرة بقرارٍ من قِبَل "لجنة إزالة التمكين" التي أمر البرهان بحلّها منذ اليوم الأوّل للانقلاب.
وخلال العام الماضي أيضاً، لم يسلَم ملفّ العدالة من التدخّلات السياسية، فتمّ إطلاق سراح عدد من المتّهَمين في قضايا قتل المتظاهرين خلال "ثورة ديسمبر".
وكنتيجة طبيعية للخلل الدستوري الذي تعيشه البلاد، تدهورت الأوضاع الأمنية في عدد من المناطق، حيث شكّلت النعرة القبلية في معظم الأحيان وقوداً لعمليات الاقتتال التي لن يكون ما يحدث هذه الأيّام في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرقي البلاد، آخرها.
وتشهد الولاية، منذ مطلع الأسبوع الجاري، حالة اقتتال قبلي، راح ضحيّته المئات ما بين قتيل وجريح، وحوالى 15 ألف نازح، فيما لا تزال أعمال العنف تتصاعد مع قيام المحتجّين بالاستيلاء على مخازن السلاح التابعة للحكومة المحلّية، وهو ما دفع الجيش إلى تعيين اللواء ربيع عبدالله آدم قائداً للمنطقة العسكرية في مدينة الدمازين، حاضرة الولاية.
وعلى رغم تأكيد البرهان انسحاب العسكر من العملية السياسية في الرابع من تموز الماضي، إلّا أن الشارع المُعارض لم يهضم الإعلان، بعدما فقد ثقته بالمؤسّسة العسكرية، وبات يَحذر من مغبّة الانخراط مع هذا "المكوّن" في أيّ مفاوضات سياسية، وإن كان المقابل تسليم السلطة كاملةً للمدنيين. لذا، يَعتقد بعض المراقبين أن التسوية التي ترعاها "الآلية الثلاثية" و"اللجنة الرباعية" (الإمارات، السعودية، الولايات المتحدة وبريطانيا)، بين العسكر و"قوى الحرية والتغيير"، مصيرها الفشل، خصوصاً في ظلّ تأكيد الأخيرة أن أيّ اتفاق "لا يحقّق مطالب الثورة، ولا ينهي الانقلاب"، هي في حلٍّ منه.
وفي ظل هذه التطورات، يعيش معظم السودانيين ضائقة اقتصادية غير مسبوقة نتيجة فقدان الدولة مواردها المحلية، بالإضافة إلى توقّف الدعم النقدي الذي كان "البنك الدولي" يوفّره للأُسر الفقيرة، وهو ما كان له أثر كبير على أوضاع هذه العائلات التي لم تتمكّن، في معظم الأحيان، من شراء السلع الأساسية نتيجة ارتفاع أسعارها.
من جهتهم، يعاني التجّار وضعاً سيئاً، نتيجة الكساد الذي تشهده الحركة التجارية، وذلك بعد فرْض الدولة عليهم ضرائب مرتفعة لإنعاش الخزينة العامة، ما اضطرّهم للاحتجاج عبر تنفيذ إضرابات عدّة، وإغلاق محالّهم التجارية في مدن السودان المختلفة.
أيضاً، أقدمت السلطات على زيادة الدولار الجمركي، ما أدّى إلى شبه شلل في حركة الاستيراد.
وكان لافتاً، خلال العام الماضي، مغادرة المئات من الأُسر البلاد إلى الدول المجاورة خاصّة مصر، بحثاً عن الاستقرار وفرص العمل، كما ترك آلاف الطلبة في مراحل التعليم الأساسي مقاعد الدراسة، بسبب عجز أُسرهم عن توفير المستلزمات الدراسية.
وقدَّر تقرير صادر عن منظّمة "اليونيسف" عدد الطلاب السودانيين ممَّن هم في سن الدراسة لكنهم خارج الفصول، بـ6.9 ملايين طفل، وعزت المنظمة الدولية هذا الواقع إلى جملة أسباب من بينها، إلى جانب تنامي النزاعات، الظروف الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة جراء توقُّف الدعم الدولي في أعقاب استيلاء الجيش على السلطة.