مما يؤسف له أن بعض الناس من أنصاف المتفقهين ينصّبون أنفسهم مفتشين عن عقائد الناس، ويصدرون الأحكام يميناً وشمالاً، تكفيراً وتضليلاً أو تفسيقاً وتبديعاً، دون تثبت أو تورع، مع أن تكفير المسلم لمسلم آخر أو تضليله غير منطقي، بل هو أمر خطير ولا يجوز اقتحام هذه العقبة إلا بحجة دامغة تقطع الشك باليقين،
محاكمة العقائد : مما يؤسف له أن بعض الناس من أنصاف المتفقهين ينصّبون أنفسهم مفتشين عن عقائد الناس، ويصدرون الأحكام يميناً وشمالاً، تكفيراً وتضليلاً أو تفسيقاً وتبديعاً، دون تثبت أو تورع، مع أن تكفير المسلم لمسلم آخر أو تضليله غير منطقي، بل هو أمر خطير ولا يجوز اقتحام هذه العقبة إلا بحجة دامغة تقطع الشك باليقين،
فلو أن كاتباً أو محاضراً طرح بعض الأفكار التي قد يتراءى منها التشكيك في بعض المسلمات العقائدية لكن لها وجهاً حسناً ومحملاً صحيحاً لا ينافي الاعتقاد فلا يسوغ البناء على الاحتمال الفاسد والحكم على أساسه، فان اليقين لا يزول إلا بيقين مثله، والحدود تُدرأ بالشبهات، وصريح القرآن يقول: {ولا تقُولُوا لِمنْ ألْقىٰ إليْكُمُ السّلام لسْت مُؤْمِنًا تبْتغُون عرض الْحياةِ الدُّنْيا} (النساء: ٩٤) . في تأكيد بيّن على مبدأ الأخذ بالظاهر، والابتعاد عن محاكمة النوايا التي لا يعلمها إلا الله العالم بالسرائر. فالإسلام قد حمى المسيحيين واليهود وضمن لهم حرية العقيدة والعبادة منذ فجر الإسلام، ولو أعطى الإنسان لنفسه الحق في محاكمة عقائد هؤلاء وفقاً لعقيدته لما بقي مسيحي واحد أو يهودي يعيشون بين أظهر المسلمين حتى اليوم، فكيف نقبل على أنفسنا كمسلمين أن نتقاتل ونسلب من بعضنا ما حباه الله لنا ورسوله من عيش كريم . ولنعم ما قاله الملا على القاري من علماء الحنفية في القرن الحادي عشر الهجري: ( الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف: أنا لا نكفّر أهل البدع والأهواء، إلا إذا أتوا بمكفر صريح لا استلزامي، لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم. ومن ثم لم يزل العلماء يعاملونهم معاملة المسلمين في نكاحهم وإنكاحهم والصلاة على موتاهم ودفنهم في مقابرهم، لأنهم إن كانوا مخطئين غير معذورين وإنما بذلوا وسعهم في إصابة الحق فلم يحصل لهم، لكن لتقصير هم بتحكيم عقولهم وأهويتهم وإعراضهم عن صريح السنة والآيات من غير تأويل سائغ. وبهذا فارقوا مجتهدي الفروع، فإن خطأهم إنما هو لعذرهم بقيام دليل آخر عندهم، مقاوم لدليل غيرهم من جنسه، فلم يقصّروا ومن ثم أثيبوا على اجتهادهم ).
وقال أيضاً: ( ذكروا أن المسألة المتعلقة بالكفر إذا كان لها تسعة وتسعون احتمالاً للكفر واحتمال واحد في نفيه، فالأولى للمفتي والقاضي أن يعمل بالاحتمال النافي، لأنّ الخطأ في إبقاء ألف كافر أهون من الخطأ في إفناء مسلم واحد ).