تاريخ النشر2010 13 November ساعة 12:06
رقم : 31109

نموذج السكوت الأمريكي الأخضر لضرب سوريا .. هل ينفع مع إيران ؟؟ ..

الدكتور حسن عبد ربه المصري *
نموذج السكوت الأمريكي الأخضر لضرب سوريا .. هل ينفع مع إيران ؟؟ ..
أثارت مذكرات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن حول سنوات بقاءه في البيت الأبيض، بعض التعليقات الحيادية قبل أن تنشر ببضعة أيام والعديد الغاضب الرافض بعد أن نزلت إلي الأسواق يوم ۹ من الشهر الحالي ..
بعض هذه الانتقادات انصب علي موقف بوش الابن من المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر الذي أدي إلي تباعد حاد بين الدولتين بسبب ما يقول عنه بوش انه تحول في موقفه ( المستشار ) من الحرب ضد العراق، بينما يقول شرودر انه ربط موافقة بلاده علي القيام بهذه الحرب بالعثور علي أسلحة الدمار الشامل العراقية، الأمر الذي لم يتحقق إلي اليوم .. وبعضها الأخر اتجه ناحية الجبهة الفرنسية / الروسية التي وقفت ضد حملته هذه لأنها لم تكن تحت مظلة دولية بقرار من مجلس الأمن .. وبعضها الثالث نفي بشدة وجود دلائل مؤكدة لما ورد في المذكرات من أن المعلومات التي انتزعها المحققون الأمريكيون من المعتقلين في السجون العراقية ساهمت في إنقاذ حياة عدد كبير من البريطانيين " لأنها ساعدت علي وقف هجمات إرهابية كان من الممكن أن يتعرض لها مطار هيثرو الدولي " .. 

من جانبنا سنولي اهتمامنا هنا لنقطتين أشارت إليهما هذه المذكرات، التي أطلق عليها صاحبها مسمي Decision Points / نقاط القرار أو مكونات القرار، بالتفصيل بسبب صلتهما القوية ببعض ما وقع في المنطقة من أحداث من ناحية وبسبب التعتيم الإعلامي الذي صاحبهما من ناحية ثانية .. ومن ثم بسياسات واشنطن ذات المائة وجه من ناحية ثالثة .. 

أولهما تتصل مباشرة بضربة الطيران التي وجهتها الطائرات الحربية الإسرائيلية عام ۲۰۰۷ لموقع بالقرب من دير الزور شمال سوريه ولما قيل يومها انه ذو صلة بملفها النووي، والذي صممت عنه ( إسرائيل ) إلي وقتنا هذا تاركة لسياسة الغموض أن تفرض نفسها علي الإعلام الإقليمي والدولي بالصيغة التي تناسب سياساتها الإحتلالية وبرامجها العدوانية ..
حتى عندما عثرت السلطات التركية داخل حدودها علی فوارغ القنابل التي وجهت للبناية لهدمها، لم يصدر عن الطرفين الإسرائيلي والتركي ما يؤكد أو ينفي الواقعة بسبب ما كان بينهما آنذاك من علاقات ومصالح وتنسيق .. 

مذكرات الرئيس الأمريكي تشير بيد الاتهام بما لا يدع مجالا للشك إلي تورط إسرائيلي في هذه العملية التي تعد وفق القانون الدولي اعتداء علی دولة ذات سيادة .. أم ان هناك فرصة متاحة لتكذيب أكثر رؤساء أمريكا دعماً لإسرائيل ؟؟ ..
تقول المذكرات ..
تلقی الرئيس بصفة القائد الأعلى للقوات المسلحة تقريرا من مايك هايدين (رئيس المخابرات المركزية في ذلك الوقت) جاء فيه أن الخبراء المتخصصون " لديهم قناعة شبه مؤكدة أن المنشأة التي صورتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في الصحراء السورية تضم مفاعلاً نووياً، ولكن ذلك لا يعني أن سورية لديها برنامج نووي سري " .. 

وتقول .. أن إيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل آنذاك اتصل بالرئيس الأمريكي واقترح عليه أن يأمر بالتخلص من هذه المنشأة بالكيفية التي يراها مناسبة !! ..
ولهذا السبب كلف جورج بوش الابن مستشاريه السياسيين والعسكريين (مجلس الأمن القومي) بدراسة الموقف من جميع جوانبه .. ثم جمعهم في مكتبه البيضاوي لتبادل الرأي، وكان هناك اقتراحان رفضهما الرئيس .. 

- احدهما يري القيام بقصف المكان من الجو، لأن ذلك يعني ضرب أهداف داخل دولة ذات سيادة دون تحذير أو إعلان أو تبرير مما سيجلب علی واشنطن ردود فعل لا حد لها خاصة من جانب الحلفاء الأوربيون ..
- ثانيهما أن يقوم فريق سري من القوات الخاصة بتدمير البناية، بعد اجتيازهم الحدود السورية والعودة من حيث أتوا .. لكن المخاطر والصعاب التي يكتنفها هذا الاقتراح أكبر بكثير من النتائج الايجابية التي يمكن أن تترتب عليه .. 

لهذا السبب لما عاود رئيس وزراء إسرائيل الاتصال بالبيت الأبيض، افهمه الرئيس الأمريكي انه لا يستطيع أن يأمر بالهجوم المقترح "ما لم تؤكد له أجهزته الاستخبارية أن سورية لديها برنامج نووي عسكري" ..
ويبدو أن إيهود أولمرت كان يتوقع مثل هذا الرد ..
ويبدو انه أنبأ الرئيس أن إسرائيل لا يمكن أن تسكت حتى تبرهن الأدلة المادية علي توافر مؤشرات امتلاك سورية لبرنامج عسكري نووي، وانه سيتصرف بما تمليه عليه مسئولياتها للحفاظ علی أمن إسرائيل وحياة شعبها .. 
هذا هو تحليلنا للوقائع، لأن المذكرات تقول ما معناه أن اولمرت من ناحية لم يطلب من جورج بوش الابن الضوء الأخضر لضرب منشاة دير الزور وتؤكد من ناحية ثانية أن الرئيس لم يعطه هذا الضوء، ولكنه وكما يقول كاتبها بالنص "فعل ما حسب انه ضروري لحماية إسرائيل" .. 

الجدير بالإشارة هنا أن إسرائيل الرسمية لا زالت تلتزم الصمت حيال هذه النقطة حتى بعد انتشار حقيقة قيامها بهذه العملية الإجرامية ضد سورية علی مستوي العواصم الكبرى في العالم، فيما تتوسع دوائر فضائحها ليس فقط عبر وسائل الإعلام العالمية ولكن أيضا علی مستوى وسائلها هي ..
فهل من سبيل لاستخدام هذه المذكرات كوثيقة معترف بها أمام مجلس الأمن الدولي لإدانة إسرائيل وكشف الستار عن ممارساتها المعادية لشعوب المنطقة والتى تعكس رفضا موثقاً للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط ؟؟ .. 

ثانيهما اعتراف الرئيس بأنه كلف وزارة الدفاع (البنتاجون) بدراسة انسب السبل لتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية بهدف"وقف العد التنازلي لقدرتها علي إنتاج قنبلة نووية ولو مؤقتاً"، هذا الاعتراف الذي تناقلته الكثير من الكتابات والتحليلات والتعليقات في حينه، وهاجمه البعض بعنف غير مبرر ..
انقسم مستشاري الرئيس حيال هذا المطلب إلي فريقين .. 

فريق يري أن توجه ضربة عسكرية سيقوي من ساعد المقاومة الإيرانية للقيام بانقلاب داخلي يُبعد التيار السياسي المتشدد الحاكم في طهران عن مركز القيادة، ويفتح لها الطريق لتولي المسئولية وفق معطيات وتطلعات تبدأ بإلغاء التفكير في البرنامج النووي الحالي سواء كان سلميا أو عسكريا ..
وفريق ثان يري أن مثل هذه الخطوة ستُزكي إلي ابعد مدي المشاعر الوطنية لدي الإيرانيين في صفوف المعارضة، وقد توحدهم ضد الولايات المتحدة .. الأمر الذي سيقلب الموقف ضد واشنطن بكل المقاييس . ...
هذه النقاط ناقشها الرئيس الأمريكي مع حليفه الرئيسي توني بلير رئيس وزراء بريطانيا في ذاك الحين و الذي كان يميل للأخذ برأي الفريق الذي يقترح القيام بعملية عسكرية، كما جاء في مذكراته ( بلير ) التي نشرها منذ بضعة أشهر ..
وفي حين رفضت الإدارة الأمريكية وجهة النظر التي تحبذ الدخول في مفاوضات مباشرة مع طهران حيث أن الحوار مع نظام الحكم الإيراني الذي يتصف بالديكتاتورية لن يؤدي إلي نتيجة ايجابية لأن واشنطن " لن تسمح أبداً لإيران بتهديد العالم بقنبلة نووية "، رضخت للخيار الثالث الذي كان يقضي بتكتيل دول الاتحاد الأوربي لفرض عقوبات اقتصادية ضد إيران بالتزامن مع التحاور معها .. مع العمل علي تصعيدها (أي العقوبات) تدريجياً لمنع طهران من التلاعب بمسار التفاوض من ناحية ومواصلة التعتيم علي برنامجها العسكري النووي من ناحية ثانية .. 

الشاهد لمن يتابع علاقة إسرائيل بما يصفه إعلامها بـ " سعي إيران لامتلاك قنبلة نووية " أنها كانت دائمة الحرص علي إزاحة الستار عن الآراء المختلفة التي يتبادلها فرقاء الإدارة الأمريكية ومستشاريها حيال هذه البرنامج .. وأنها كانت تركز في غالبية الأحيان علي استعداد الرئيس الأمريكي لاتخاذ قرار بمهاجمة المنشآت العسكرية الإيرانية، وفي أحيان أخري علي حقها في التصرف بمفردها حيال هذا السعي الإيراني النووي " الذي يُهدد مستقبل وجدودها في هذه المنطقة " ..
إذا نحينا جانباً الموقف الأمريكي الدبلوماسي الراهن تجاه ملف إيران العسكري النووي، سيتأكد لنا أن نموذج التعامل الإسرائيلي مع منشأة دير الزور الذي غطاه سكوت أمريكي اخضر، يعد مثاليا من وجوه عدة لتعامل حكومة نتيناهو مع طهران .. 

من هنا يأتي سؤالنا ..
هل سنشهد قريبا اتصالاً هاتفياً بين بنيامين نتيناهو رئيس وزراء إسرائيل و الرئيس الأمريكي باراك أوباما ينتهي بسكوت اخضر، تقوم بموجبه الطائرات العسكرية الإسرائيلية بتدمير المنشآت العسكرية الإيرانية كما فعالت منذ ثلاث سنوات بحجة أن الأمر ضروري لحماية شعبها ؟؟ أم لا ؟؟ .. 

* استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk
https://taghribnews.com/vdcf1ydm.w6dyxaikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز