المرجع الفقيد فضل الله : انتصارات تموز تحول الى مشكلة سياسية للكيان الاسرائيلي
تنا
حوار مع العلامة المرجع الفقيد السيد محمد حسين فضل الله حول العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 واثر انتصار المقاومة في هذه الحرب على الشعوب العربية والاسلامية وانعكاساته على الداخل الاسرائيلي وموقف بعض الدول العربية من هذا العدوان.
شارک :
طالب سماحة المرجع الديني الفقيد، السيّد محمد حسين فضل الله، بدراسة انتصار المقاومة على إسرائيل، بعد أن تحوّل الانتصار إلى مشكلة سياسية ذات أهمية في إسرائيل، كما طالب قادة الدول العربية والإسلامية بالارتفاع إلى مستوى الشعوب.
وأكد سماحته في لقاء مع "الوطن"، أن "المواجهة المباشرة مع جنود العدو الذين كانوا يهربون ويصرخون، أدخلت روحية جديدة في العالم، وخصوصاً بعد الانتفاضة الشعبية في مختلف مواقع العالم العربي والإسلامي".
وقال إنّ المعركة الأخيرة لن تتبعها أية معركة أخرى في المستقبل القريب، ولكن يمكن أن تتحوّل إلى حرب سياسية أو أمنية على مستوى المخابرات، مضيفاً أنّ "من السابق لأوانه الحديث عن نزع سلاح المقاومة الإسلاميّة، لعدم وجود ضمانات أمنيّة".
وأبدى استنكاره وألمه الشّديدين لبعض التصريحات العربية حول الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، إلى درجة أن "إسرائيل صرَّحت بالفم الملآن أن إسرائيل ولأول مرة تخوض الحرب تحت غطاء عربي".
وأوضح أنّ "الحرب كانت أمريكيّة بدرجة الامتياز، وكانت بداية لمشروع الشرق الأوسط الجديد، موضحاً أن "أمريكا فرضت على إسرائيل هذه الحرب".
واتهم السيد فضل الله بوش بالقتل، وحمّل إدارته مسؤولية الدمار الذي استهدف المدنيّين وهدم المنازل على رؤوس الأطفال والنّساء والشّيوخ، وكذلك أبدى استغرابه بموافقة بعض الدّول العربيّة على نقل القنابل الذكية عبر مطاراتها، أي أن هناك تنسيقاً عربياً أمريكياً".
وأشاد بـ" الموقف الكويتي الحكيم، وخصوصاً بعد انطلاق الشعب الكويتي بكلّ فئاته السياسية والإسلامية بدعم المقاومة الإسلامية، إضافةً إلى تقديم المساعدات والمعونات".
وفيما يلي تفصيل اللّقاء:
روحية جديدة ـ سماحة السيد، ماذا تتوقع بعد هذه المعركة والاعتداء الإسرائيلي على لبنان؟
ـ عندما ندرس مفاعيل هذه المعركة، فإننا نجد أنها استطاعت أن تصنع روحاً جديدة للعالم العربي والإسلامي، الذي عاش مدّة طويلة تحت تأثير القهر الإسرائيلي الذي عمل على إذلال النفسية العربية والإسلامية، بالدرجة الذي كان يخيَّل أن هذا العالم العربي والإسلامي سقط بالضربة القاضية الإسرائيلية، ولم يعد قادراً على أن يصنع أي انتصار.. لذلك لاحظنا في كل هذه الانتفاضة الشعبية في مختلف مواقع العالم العربي والإسلامي، أن هناك روحاً جديدة دخلت في روحية هذا العالم، وأنّ انتصار المجاهدين في معركتهم ضدّ العدو الصهيوني، استطاع أن يجعل كلّ مسلم وعربي منتصراً في هذه الحرب، لأنّه أدرك أنَّ من الممكن جدّاً للأمَّة من خلال مجاهديها، أن تملك الموقع المتقدّم الذي يستطيع أن يسقط الآليات الإسرائيلية المتقدمة، وأن يحوّل المعركة إلى مجازر لهذه الآليّات، إضافةً إلى المواجهة المباشرة التي جعلت جنود العدوّ يهربون ويصرخون، وإلى القصف الذي طال شمال فلسطين المحتلة، والذي استطاع أن يحقق هزيمة حقيقيّة في الواقع الإسرائيلي.
لذلك أعتقد أنّ هناك تاريخاً جديداً يصنع، وعلى الأمّة أن تدرس جيداً كيفية الاستفادة من هذا التاريخ، وكيف يمكن أن تحقق النتائج الإيجابيّة على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي من جهة، وعلى مستوى المواجهة للسياسة الأمريكية التي دخلت الحرب مع إسرائيل بكلّ ما لديها من قوّة، من جهة أخرى.
معارك من نوع آخر ـ إذاً.. هل باعتقادكم أنّ هذه المعركة ستكون الأخيرة مع العدوّ الإسرائيلي؟
ـ نعتقد أنّ هذه المعركة لن تتبعها معركة أخرى في المستقبل القريب، ولكنّنا نتصوَّر أنّ المشكلة الحاليّة التي نواجهها في التخطيط الأمريكيّ حول الحرب في المنطقة، والذي يتحرك في تحالف استراتيجي مع إسرائيل، وخصوصاً أنّ أمريكا انطلقت في هذه الحرب من خلال مشروعها، وهو مشروع الشّرق الأوسط الجديد، ولم تنطلق من خلال مواجهة خطف الجنديين الإسرائيليين، أو تجاوز الخطّ الأزرق من قبل المقاومة الإسلامية.
لذلك، فإن أمريكا التي تعيش الآن في أكثر من مشكلة سياسيّة وأمنيّة في العراق وأفغانستان، وتلتها مشكلتها في لبنان، لا بدّ لها من أن تخطّط لحرب استباقيّة جديدة، ولا سيّما أنها تتحدّث في إعلامها السياسي بأنّ القضية اللبنانيّة هي قضية تدخّل في المحور الإيراني السوري، ولذلك فإنها تعمل على أساس أن تدخل الحرب بطريقة أبو بأخرى، وليس من الضروريّ أن تكون حرباً عسكرية، بل ربما تكون حرباً سياسية أو أمنية على مستوى المخابرات في هذا المجال، وخصوصاً بعد دراسة الملف النووي الإيراني، الذي تعمل أمريكا على أساس أن تحركه في مجلس الأمن، لتدخل من خلاله في صراع جديد ضد إيران وضد المنطقة كلّها.
سلاح المقاومة ليس ضد الاحزاب والطوائف ـ بعد القرارين الدوليّين 1559 و1701، وانتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في الجنوب، هل تعتقد أنّه حان وقت نزع سلاح المقاومة الإسلامية؟
ـ بتصوّري سلاح المقاومة الإسلامية، ذات هدف مشروع ، لسبب بسيط، وهو أن المقاومة الإسلامية في حركة سلاحها في لبنان، لم تنطلق برغبة ذاتية في أن يكون سلاحها مقابل بقيّة الطوائف أو الأحزاب، بل كانت منطلقةً من خلال ما تؤمن به المقاومة من استراتيجيّة الدّفاع عن لبنان أمام العدوان الإسرائيلي الذي رافق الواقع اللبناني منذ عشرات السنين، وخصوصاً في ظلّ غياب تسليح الجيش اللبناني، باعتراف الحكومة اللبنانية، بالمستوى الذي يستطيع أن يدافع عن حدود لبنان أمام العدو الإسرائيلي، ومن خلال عدم وجود أية ضمانات للبنان في العدوان الإسرائيلي في هذا المجال.
أمّا مسألة القوات الدولية "اليونيفيل"، فندرك جلياً أنه خلال الفترة الأخيرة، كانت إسرائيل تقصف هذه القوات، ولا يستطيع مجلس الأمن إدانة إسرائيل على قتلها أكثر من عنصر من عناصر اليونيفيل.
ولذلك، فإن قوات اليونيفيل لا تستطيع مواجهة اي عدوان صهيوني ، ولذا ليست هناك ضمانات في الواقع اللبناني الأمني تبرّر نزع سلاح حزب الله، لأنه هو القوّة الوحيدة التي أثبتت مواجهة إسرائيل كما واجهته في هذه الحرب، وما دامت هذه التحديات اللبنانية في لبنان، فلا بدّ من أن يبقى سلاح حزب الله.
وأعلن حزب الله أنّه عندم نصل إلى الدّولة القويّة القادرة التي تستطيع أن تواجه إسرائيل عند قيامها بأيّ عدوان، فإن حزب الله على استعداد للتعاون عندما يشعر بأنّه لا حاجة له لحمل السّلاح.
غطاء عربي للعدوان الإسرائيلي! ـ ما سبب سلبیة بعض الدول العربية للتضامن مع لبنان ضد العدوّ الإسرائيلي؟
ـ نحن نتألم جداً، لأنّ إسرائيل صرَّحت بالفم الملآن بأنّنا نخوض هذه الحرب لأوّل مرّة في تاريخنا تحت غطاء عربيّ، وذلك من خلال بعض التصريحات العربيّة التي حمّلت المقاومة الإسلامية مسؤولية هذه الحرب ولم تحمّلها لإسرائيل، تماماً كما لو كانت تقول إنّ لإسرائيل الحقّ في هذه الحرب التدميرية... حتّى إنّ بعض الدول العربية كانت تتحدث مع إسرائيل أثناء الحرب بأنّ عليها الاستمرار بهذه الحرب ريثما تصل إلى هدفها المعلن، وهو نزع سلاح حزب الله وإسقاط المقاومة.
الحرب من أجل المشروع الأمريكي ـ لا بدّ وأنّكم شاهدتم حجم الكارثة، هل يعود ذلك إلى الحقد والكراهية للمقاومة الإسلاميّة، أم من أجل إزالة حزب الله والشّيعة، وكذلك لبنان، من الخريطة؟
ـ في تصوّري، فإنّ الحرب الّتي واجهناها هي حرب أمريكيّة بامتياز، وإسرائيليّة بالدّرجة الثانية، ولعلّنا نستذكر جميعاً أن بعض السياسيين الإسرائيليين يتحدّثون ويقولون إن أمريكا تفرض علينا حربها في هذه المرحلة، لأنها تريد تهيئة الظروف للمشروع الذي أعلنته رايس، وهو "مشروع الشرق الأوسط الجديد".
لذلك أتصوّر أن أمريكا مسؤولة عن كلّ هذا الدّمار الذي استهدف المدنيين تحت سمع العالم وبصره، إثر هدم المنازل على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ، والامتناع عن تشجيع وقف إطلاق النار، على الرغم من أن كثيراً من دول العالم كانت تتحدّث بأعلى صوتها، وتنادي بضرورة وقف إطلاق النار .
لذلك نعتقد أنّ الرئيس بوش هو القاتل مع إدارته، لأنّه ليس من الطبيعي أن ترسل قنابل متطوّرة لإسرائيل أثناء الحرب، وهي تعلم أنّها تستهدف المدنيين، حتى إنّ بعض الصحف البريطانيّة أوضحت اعتراضها على رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، لسماحه بمرور الطائرات التي تحمل هذه القنابل لقتل اللبنانيين في هذه الحرب. وعليه، نعتقد أنّ هدف هذه الحرب هو تدمير البنية التحتيّة في لبنان، من أجل المشاركة في ثورة الشعب اللبناني على المقاومة الإسلاميّة، باعتبارها هي المسؤولة عن هذه الحرب، لتستطيع إسرائيل أن تحصل على السِّلم، وهو ما لم تستطع الحصول عليه في الحرب.
تنسيق عربي أمريكي ـ ولكن الغريب أن هذه الأسلحة مرّت عبر بعض المطارات العربيّة؟
ـ إننا لا نفرق في هذا المجال بين المطارات البريطانية وبعض المطارات العربية التي تنسّق مع أمريكا في هذه الحرب، وكذلك مع إسرائيل، حيث إننا نعتبر أن المعركة كانت أمريكية إسرائيلية عربية في بعض المواقع.
موقف كويتي حكيم ـ أين موقع الكويت في قلوب اللّبنانيين؟
ـ عندما ندرس الطريقة التي أدارت بها الكويت هذه المسألة، نلاحظ أنّ الشعب الكويتي بكل فئاته السياسية، وكذلك فئاته الإسلامية.. ارتفع إلى مستوى المعركة، عندما لم يعتبرها معركة حزب الله مع إسرائيل، بل معركة العرب والمسلمين ضد العدو الصهيوني الذي لا يزال يفرض قوّته على الواقع العربي الإسلامي.
لذلك انطلق الشعب الكويتي من موقع واحد، وصوت واحد، ليقف بكلّ قوّة مع المقاومة الإسلامية، ويقف ضد إسرائيل وأمريكا وكلّ الذين ساروا بهذا الاتجاه، كما أنّ الشعب الكويتي بادر إلى تقديم المساعدات والمعونات بشكلٍ أو بآخر للشّعب اللبناني المنكوب في هذه الحرب.
مرحلة الصّراع ـ سماحة السيّد، هل من كلمة في ختام هذا اللّقاء؟
ـ إنني أتوجَّه إلى كلّ الشعوب في العالمين العربي والإسلامي، وفي هذه المرحلة التي نواجه فيها الصراع ضدّ العدوّ الإسرائيلي، وهذا الانتصار الّذي سجّله شبابنا ضدّه، في أوّل حرب تعترف إسرائيل فيها بالهزيمة، وتحول المشكلة عندها إلى مشكلة سياسيّة ذات أهميّة في الداخل، بأنّ علينا دراسة هذه التجربة، والوقوف مع حركة المقاومة في العالم العربي والإسلامي، وأن نأخذ منها درساً، وهو أن الشعوب عندما تؤكّد إرادتها في المواجهة، وتقف موقفاً قوياً، من خلال إيمانها بقضاياها المصيريّة، فإنها تستطيع أن تحقّق الانتصار.. ونقول لكلّ الّذين يشرفون على العالم العربي والإسلاميّ من الأنظمة، إنّ شعوبكم ارتفعت إلى مستوى المرحلة، وعليكم أن ترتفعوا إلى مستوى هذه الشعوب.