الدكتور السعدي لـ"تنا" : هدف الامام الحسين (ع) اصلاح الانحراف السياسي والديني للنظام الحاكم
تنا - خاص
في حوار مع الدكتور والاستاذ الجامعي الشيخ احمد فاضل السعدي ، استاذ جامعة المصطفى في قم وجامعة طهران فرع قم ، اشار الى الاسباب الرئيسية التي من اجلها ثار الامام الحسين عليه السلام تاركاً فريضة الحج متوجهاً الى ساحة الكفاح ، کربلاء ، في حركة اصلاحية ضد الانحراف السياسي والديني للنظام الحاكم انذاك ، مؤكداً ان حركته الاصلاحية لم تكن حركة مطلبية تقتصر لجانب معين من جوانب الحياة الاجتماعية وانما كانت شاملة هدفت الى اصلاح القيم والمفاهيم التي عمد النظام السياسي انذاك الى طمسها وتناسيها .
شارک :
واليكم نص الحوار :
س – هل نحن بحاجة الى قراءة جديدة وعميقة للثورة الحسينية ؟ وما هو الاصلاح الذي كان ينشده في ثورته ؟
ج – حركة الامام الحسين (ع) كان هدفها هو اصلاح الواقع المنحرف انذاك ، ولهذا لم تقتصر نهضته على مكان وزمان محدد .
هناك مفهومين للحركة الاصلاحية ، الحركة الاصلاحية المطلبية التي تعالج جزء معين او بعض اجزاء معينة من مشكلة المجتمع ، وحركة اصلاحية انقلابية تعمل على تغيير كل الواقع المعاش جذريا ولا تقتصر على معالجة بعض مجالات الحياة .
فالحركة الاصلاحية للامام الحسين كانت انقلابية شاملة هدفها ايجاد تغيير جذري للواقع المنحرف والفاسد انذاك . فالامام لم يثر لاصلاح الصلاة او بعض العلاقات الاجتماعية او السياسية ، فالامام كان يهدف الى تغيير فكرة الامة وقيادتها .
حركة الامام الحسين لم تخاطب الفرد المسلم فقط وانما كل الانسانية لهدايتهم نحو الاسلام كنظام حياة متكامل صالح لكل البشرية . فهدف الحسين هو تغيير النمط الاجتماعي والسياسي ، ولم يكن يلاحظ في مسيرته التغييرية الحواجز الثقافية والدينية والمذهبية ، فالكل كانوا مدعوون لهذا التغيير والاصلاح .
فالحركة الاصلاحية للامام الحسين كانت تهدف الى اصلاح القيم وليس اصلاح عادات وتقاليد التي يحددها الزمان والمكان . فشعار الحسين كان " لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا افر ولا اقر بقرار العبيد " هذه قيم يرفعها كل انسان يطالب بالحرية والكرامة .
فهذه القيم عمل على ان تنسى . فبني امية وعلى اساس مشروع خطير خطط له من قبل ، عملو على تفريغ الدين من قيمه السماوية . فالفكر الارجائي الذي تبنته بني امية في فترة من فترات حكمهم كان يهدد الدين من اساسه ، لأن هذا الفكر كان يقول : " لا تضر مع الايمان معصية " . فالخليفة بناءً على هذا المبدئ مبسوط اليد ويفعل ما يشاء ولا يمكن لاي شخص ان يؤاخذ او ان يثور ضد الحاكم او يرفض مشروعيته . ومن اجل ذلك افتعلت احاديث بهذا المعنى بانه لا يجوز لك ان تقوم ضد الحاكم حتى لو جلد ظهرك وأخذ مالك .
فالساسة انذاك عملوا على تغيير البنى التحتية للعقيدة لتتغير على ضوءها العلاقات الاجتماعية وكذلك النظام السياسي . فاكثر النظم السياسية اليوم تعمل على هذا المنوال اي تتظاهر بشيئ امام الراي العام وخلف الكواليس تعمل لاهداف اخرى تتعارض مع القيم التي يؤمن بها الشعب .
فالانظمة الظالمة على مر العصور وفي وقتنا الحاضر ، ولكي تبقى مهيمنة على جميع مجالات الحياة ومنها الحكم ، تعمل على تغيير رؤية الانسان للحياة والقيم التي يؤمن بها وخاصة تلك التي تدعو الى الحرية والكرامة ومواجهة الاذلال والانصياع للظالم ، ولذلك اذا تغيرت رؤية الانسان للظالم تتغير معه كثيرمن الامور .
ولذلك نرى اليوم ان التفاوض مع العدو الاسرائيلي وتطبيع العلاقة معه اصبح امراً مباحاً ولا عيب فيه ، بينما كان سابقاً الحديث عن التفاوض مع هذا العدو جريمة لا تغتفر . فأنور السادات عندما وقع اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني كسر حاجز الحياء والخوف والخيانة . انور السادات لم يكن هو الوحيد الذي قام بهذ العمل الخياني وانما بعض الحكام العرب قاموا بتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني سراً . كل ذلك هو نتيجة تغيير قيم ومعايير مواجهة الظلم والاستبداد التي بدأت منذ الحكم الاموي .
فالمفردة التي تغيرت في عهد الامام الحسين (ع) هو انه ليس من حق المسلم ان يحاكم الحاكم حتى وان شرب الخمر وارتكب الذنوب ، لأن الحاكم والخليفة منصوب من قبل الله والله اعطاه الحصانة الدبلوماسية ولهذا فحسابه عل الله . ومن هنا يبدأ الانحراف والفساد السياسي . وفتاوي علماء الوهابية في الظروف الراهنة والتي تحرم الاحتجاج والثورة على الحكام الظلمة والفاسدين كمبارك ومعمر القذافي وحكام البحرين و... خير دليل على الانحراف الذي اصاب العقيدة الاسلامية وسنة الرسول (ص) ومنهم كذلك سلفيو مصر اللذين كانو يقولون بحرمة الخروج على الحاكم .
س – المنبر الحسيني عادة يخاطب العاطفة ، ما الذي يجب اداءه لكي يخاطب العقل الى جانب العاطفة ؟
ج – بما ان الدين ينطلق من واقع حياة الانسان ، فالعاطفة جزء من هذا الواقع . ولكن المشكلة هو ان العاطفة وذرف الدموع لاجل شخصية عظمية تتحول الى مانع للتفكير بالعمل العظيم الذي قام به ذلك الشخص العظيم ، فتغيب تلك العظمة وينشغل الانسان بقضايا تعتبر عند صاحب الثورة الامام الحسين (ع) ثانوية جداً ، مثل الذي يستمع الى خطاب شخص ما فبدل ان يتمعن الى محتوى خطاب ذلك الشخص ومفهومه ودلائله ، يركز على الجانب النحوي واللغوي للخطاب بينما المتكلم يحمل رسالة الى الملتقي ولم يقصد في خطابه التأكيد على اسلوب الخطابة ومستواه الانشائي .
العاطفة في الثورة الحسينية عبارة عن ظرف يمكنه ان يمهد لفهم هذه الثورة ، لا ان تتحول الى حاجز ومانع لفهم اهداف الثورة . ولهذا نتسائل هل ان الامام الحسين ثار من اجل ان نبكي عليه فقط .
فالواجب الذي يحتم علينا هو القيام بدراسة دقيقة ومأملة لحركة الحسين . كثير من الكتب التي كتبت عن الحسين لم تعط الثورة حقها . كثير من المؤلفين ينقلون الثورة الحسينية من هذا القرن الى القرن الاول الهجري ويتوقف هناك ، بينما المطلوب ان ننقل الثورة من القرن الاول الهجري الى كل القرون والاعصار . حركة الحسين يجب ان تجري كما يجري الليل والنهار . ومن جانب اخر وللأسف نشاهد ان بعض الشخصيات التي لا تنتمي الى هذه المدرسة تدرك لمحات من هذه الثورة ، ولا نقل كلها ، ما لايدركها المنتمين لهذه المدرسة بسبب عدم سعيهم لتفهم ابعاد واهداف هذه الحركة التاريخية العظيمة .
كثير من كتبنا هي عبارة عن كتب تعليبية ، اي تعلب الحدث ضمن اطار محدد ، بينما يجب ان يدرس ويفسر الحدث خارج اطاره الزماني والمكاني . والحسين لا يريد ان يحجز ويحصر في كربلاء بل اراد ان ينطلق من كربلاء . الحسين عليه السلام لم يكن يقصد ان تحدد حركته ضد شخص باسم يزيد الحسين اراد ان يواجه كل يزيد ، الحسين اراد ان تكون حركته حية تنتج حركات وثورات في كل زمن ومكان .
حركة الحسين كانت حركة لتغيير الواقع السياسي والاجتماعي واستعادة القيم والهوية الاسلامية للمجتمع انذاك ، فعلى الباحثين والمحققين ان يرسموا الواقع الاجتماعي انذاك ويكشفوا الانحراف العقائدي الذي حصل لسنة الرسول (ص) انذاك . ولذا نرى ان كثير من عوام الناس لا يدرك السبب الرئيسي الذي من اجله ثار الامام الحسين (ع) .
نحن بحاجة الى دراسة تكشف لنا اخلاقيات المجتمع انذاك والمشاكل التي كا يعاني منها حيث ادت الى ثورة الحسين .
حركة الحسين ليست حركة غيبية منقطعة عن الارض بل هي حركة غيبية نابعة من واقع المجتمع . والتصور الذي يقول لا احد يستطيع ان يفهم حركة المعصوم وتصرفاته غير المعصوم تصور غير مقبول مثلما نقول انه بما ان الاسلام منشأه رباني فان فهمه وادراكه خاص للنبي والمعصومين . فهذا النوع من التصور مرفوض لان الاسلام جاء للانسان ونبع من واقع الانسان ليغير واقعه ويعطيه مكانته الحقيقية . ولذا نرى ان البعض يحاول ان يجعل من حركة الحسين (ع) حركة غيبية صرفة ليسقط المسؤولية عن نفسه ، بينما نرى القران الكريم يؤكد لنا " ولكم في رسول الله أسوة حسنة " .