تاريخ النشر2011 25 April ساعة 10:46
رقم : 46923
ندوة المؤتمر القومي الاسلامي :

المنطقة تعيش عصر المقاومة والتغيير

المنطقة تعيش عصر المقاومة والتغيير

وكالة أنباء التقریب (تنا) :
بحضور حوالي مئتين من الشخصيات العربية افتتح المؤتمر القومي/ الاسلامي الدورة الثامنة في بيروت بجلسة ترأسها د. عصام العريان المنسق العام السابق للمؤتمر وتحدث فيها المنسق العام للمؤتمر القومي /الاسلامي أ. منير شفيق، وأ. عبد القادر غوقه الامين العام للمؤتمر القومي العربي باسم المؤتمرين القومي العربي والاحزاب العربية، الشيخ احمد العمري باسم الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، ود. موسى ابو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام لحزب الله. 

العريان
د. عصام العريان افتتح المؤتمر بتحية للمنسق العام للمؤتمر القومي/الاسلامي أ. منير شفيق، ثم تحدق عن التطورات في مصر والمنطقة وقال : رم كل ما تعرّضنا له في مصر لم نفقد انتماءنا لوطننا، ونفخر اليوم ان نضع على صدورنا علم مصر ليكون دليلاً على اننا نستطيع ان نحقق الممكن بسواعدنا.
وعن الثورات اليوم رأى ان العالم ينظر الينا نظرة المتلقي كما نظرة المتآمرة، فهو يتأمر على هذه الثورة العربية التي لا يريد لها ان تنتصر او تحقق المطلوب، وقال ان شعوبنا تثور من اجل بناء المستقبل والحضارة ولتثبت انها جديرة بالشهداء. 

وقال ان العرب يتوقون الى الحرية لا يفرقهم مذهب او طائفة، حرية تعني المسؤولية، وعلينا ان نتحمل القدر الكبير من المسؤولية، وعلى النخبة ان تضع مسار عقلاني للنهوض والتجديد الحضاري لتقود مسيرة العمل الشاق.
ثم تحدث عن اولئك الذين تصوروا انه قد حان وقت توزيع الغنائم، قائلا لهم انه لا يوجد غنائم او حصار بل يوجد عمل شاق وينتظرنا العمل من اجل وحدتنا والسعي الى الوحدة العربية والاسلامية.

ثم تحدث عن ليبيا واشار الى حجم التآمر مشيراً الى ان الناتو لم يأت لحماية المدنيين بل لمصالح دولهم .

الشيخ نعيم قاسم
بعد ذلك تحدث الشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام لحزب الله أن المقاومة أسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر وإنتقلت بالمنطقة من زمن الهزائم الى زمن الانتصارات المتلاحقة من خلال تحقيقها للانجازات والخطوات العظيمة وتحرير الأرض وهزيمة العدو كما أنها أثبتت منعتها وقدرتها على المواجهة وثباتها في وجه التحديات في لبنان وفلسطين وبالتالي أصبحنا أمام فصل تأسيسي ثابت يشكل مسارا في الأمتين العربية والاسلامية. 

ورأى الشيخ قاسم أن المنطقة تعيش في عصر المقاومة والتغيير الذي يختلف عمّا سبقه من العصور وذلك بسبب نجاح قوى المقاومة والممانعة في إيجاد أطر للتعاون في مساندة بعضها البعض وهذا ما رأيناه في لبنان وفلسطين والعراق وفي دول الممانعة مثل إيران وسوريا وهذا التعاون يدفعنا الى القول بأن عنوان المقاومة قادر على جمع طاقات الأمة، مؤكدا أن سوريا هي قلب موقع الممانعة وستتمكن من البقاء والمتابعة في هذا الموقع.
وشدد قاسم على أن المقاومة والثورات العربية صنوان يُسقيان من منبع واحد لأن المقاومة أوجدتنا في عصر التغيير وإستطاعت أن تشحن نفوس الشعوب العربية باتجاه القدرة على التغيير في الأنظمة التي خضعت للمشروع الأميركي وتدفن حالة الإحباط وتثبت حالة الطمأنينة والثقة في النفوس، وقال إن زمن التغيير العربي بدأ بالاعتماد على إرادة الناس وعلينا إحترام خياراتهم لأنها مؤشر على حقوقهم في التغيير . 

د. موسى ابو مرزوق
د.موسى ابو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قال نحن نشعر في هذه الايام ان الغرس الذي زرعته المقاومة والانتفاضات التي بدأت في الساحة الفلسطينية منذ الثمانينات، ان هذه الجهود الضخمة التي ولدت في كل المفكرين الاحرار من القوميين والاسلاميين عبر المؤتمرات التي ترحلت من عاصمة إلى عاصمة، ساهمت كثيراً في هذا التغيير الذي نعيش في ظلاله هذه الايام. 

واضاف ابو مرزوق قائلاً: ان اهم ما واجهناه في المرحلة السابقة هو الارتهان للرؤية الامريكية في المنطقة ولذلك بدا ان المشروع الصهيوني يتبدل في كل لحظة واقتنع الكثيرون من الزعماء بعدم امكانية مواجهة هذا المشروع فكانت التسوية هي الخيار ومن هنا كان الدعم لبرنامج التسوية والوقوف في وجه مشروع المقاومة والمقاومين في كثير من العواصم. 

هذا التبدل والتغير اليوم نشعره في الساحة الفلسطينية ويجعل كل من يعمل في هذه الساحة وخاصة اخواننا في فتح وفي السلطة الفلسطينية ان يراجعوا المرحلة على قاعدة ان اتفاقيات اوسلو قد فشلت . 

وختم ابو مرزوق لا بد ان نفتح للمقاومة مشروعاً في الضفة بدون تباطؤ ولأن هذا المشروع المطروح لا يمكن الا ان يواجه بالمقاومة والتحدي، هذا المشروع وغيره قد يكون اليوم هو المطروح لكن هناك ما هو اخطر وهو ما يحدث في القدس.ونحن جميعاً كتلة واحدة لا بد ان نتفاهم على قاعدة المقاومة. 

ثم كانت كلمات للشيخ احمر عمر العميري عضو مجلس امناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في المؤتمر القومي/الاسلامي، والاستاذ عبد الناصر الجنابي المتحدث الرسمي باسم جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني في الكويت، والاستاذ معين الرفاعي عضو قيادة حركة الجهاد الاسلامي والاب انطوان ضو ، والاستاذ ماهر الطاهر مسؤول الخارج في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

تقرير حول الوضع الدولي والعربي

أ‌. منير شفيق

مع أفول العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين تأكد بما لا يقبل الشك في أن السيطرة العالمية للإمبريالية الأميركية أخذت تتراجع، وقد سقط مشروعها في إقامة نظام أحادي القطبية بزعامتها على أنقاض النظام العالمي الذي ساد في مرحلة الحرب الباردة.

ولم تكد إدارة جورج دبليو بوش التي سعت إلى تحقيق ذلك النظام من خلال استخدام القوة العسكرية على أوسع نطاق أن تدخل السنتين الأخيرتين من عهدها الثاني حتى جاءتها ضربة الأزمة المالية الخطيرة في العام ۲۰۰۸.

أضافت الأزمة المالية التي أطاحت بنظام العولمة بعداً جديداً لمسلسل الإخفاقات التي منيت بها أمريكا أمام المقاومة في العراق بعد العدوان العسكري عليه واحتلاله ثم تلتها هزيمة العدوان الصهيوني أمام المقاومة في لبنان ۲۰۰۶، وأكملتها هزيمة العدوان ۲۰۰۸/۲۰۰۹ أمام المقاومة والصمود الشعبي في قطاع غزة (أمريكا كانت راعية للعدوانين).

أما من جهة أخرى فقد استعادت روسيا مكانة الدولة النووية الكبرى خلال العشر سنوات الأخيرة، وأصبحت الصين قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية كبرى كذلك. وقد غدت في المرتبة الثانية من ناحية حجم إنتاجها الكلي. وكذلك شهد العالم في الفترة نفسها نهوضاً ملحوظاً للهند والبرازيل وتركيا وماليزيا وإيران واندونيسيا وجنوبي إفريقيا إلى جانب بروز أدوار سياسية إقليمية لدول ممانعة مثل فنزويلا وبوليفيا في أمريكا اللاتينية وإيران وسورية في منطقتنا.
 
فالعالم أصبح متعدد الأقطاب على مستويين عالمي وإقليمي عموماً. ولكن من دون أن يتحول إلى نظام متعدد القطبية. فالوضع العالمي يتسم بنوع من السيولة أو اللانظام وقد نزل النفوذ الأمريكي فيه من مرتبة الدولة المسيطرة الطامحة لإقامة نظام أحادي القطبية إلى الدولة الكبرى ذات التأثير المشروط بالتوافق مع الدول الكبرى الأخرى. فأمريكا تعاني من نقاط ضعف أساسية عسكرياً لاسيّما في مجال التعبئة البشرية، واقتصادياً حيث انتقل مركز الثقل في الإنتاج الاقتصادي من الغرب إلى الشرق، وسياسياً حيث برزت أقطاب متعددة إلى جانبها وقد طفقت تُمنى بالهزائم وخصوصاً هزيمة مشروع "إعادة بناء الشرق الأوسط الكبير" كما هزيمتاها في العراق وأفغانستان.

هذه المعادلة حملت معها مآزق خانقة للأنظمة العربية التي راهنت على أمريكا وارتهنت سياسياً واقتصادياً لإملاءاتها، وكذلك الحال بالنسبة إلى سلطة رام الله التي فقدت مرتكزات وجودها بعد فشل جهود التسوية التي أطلقها اوباما- ميتشيل. (ثم فقدت سندها العربي مع سقوط حسني مبارك).

ومن ثم لم يبدأ العام ۲۰۱۱ م، الموافق ۱۴۳۲ هـ، حتى كان الوضع عربياً مهيئاً للانتفاضات والثورات: (۱) ميزان قوى عالمي اتسم بنمط من السيولة واللانظام أو اللاسيطرة لأمريكا عليه، مع فراغات تسمح باختراقه، (۲) ميزان قوى إقليمي في غير مصلحة أمريكا والكيان الصهيوني، (۳) وضع عربي اتسم بضعف القوى والأنظمة التي راهنت على أمريكا وفرطت في القضية الفلسطينية. وقد غاصت في مستنقع الفساد والاستبداد وتصلّب شرايين الشيخوخة.

وفي المقابل اتسم الوضع الشعبي، في الفترة نفسها، بانتصارات حققتها المقاومات في فلسطين ولبنان والعراق وكان آخرها الهزيمة السياسية الصهيونية – الأميركية أمام أسطول الحرية. الأمر الذي وفّر كل الشروط لاندلاع الثورتين الشبابيتين المليونيتين في تونس ومصر، ولتلحق بهما ثورات شبابية شعبية في ليبيا واليمن وانتفاضات تطالب بالإصلاح من المحيط إلى الخليج. فالتبعية لأمريكا سياسياً واقتصادياً أصبحت في مأزق خانق، والفساد العربي أصبح في مأزق فاضح، والاستبداد العربي غدا في المأزق كذلك. 

ويمكن وصف ما جرى خلال الأشهر الثلاثة الماضية "ان المدق فلت" كما يقول المثل الشعبي، أو قل كاد مدق الشعوب العربية أن يفلت من المحيط إلى الخليج. وذلك لتظهر حقيقة ساطعة، اسمها الثورة العربية، والأمة العربية، والوطن العربي.

هذا يعني أن عالم سايكس - بيكو أخذ يهتزّ، وعالم التبعية والتحكم في المصير العربي أخذ يهتزّ، وحال الكيان الصهيوني راح يهتزّ. أما عالم أنظمة التبعية والاستبداد والفساد فأخذ يواجه زلزالاً.

والسؤال من يستطيع من القوى المسيطرة عالمياً وعربياً أن يحتمل هذا التغيير إذا ما تُرك على رسله، وقال الشعب كل ما عنده وراح يحقق كل أمانيه من المحيط إلى الخليج؟

فلهذا كان لا بد للثورة المضادة عالمياً وعربياً من أن تتحرك بسرعة لتمنع تكرار ما حدث في تونس ومصر وبلدان عربية أخرى أو تحول دون وصول رياح الانتفاضة الثالثة إلى الضفة الغربية خصوصاً لأن انتفاضة الضفة الغربية ستضع الثورة العربية في مواجهة الكيان الصهيوني وأمريكا. ولا يمكن أن تحصر، كما حدث في الثورات الأخرى، في إسقاط الرئيس ونظامه، أو تحبس في حدود الحرية والكرامة. وهو ما سمح لوزيرة الخارجية الأميركية بأن تحاول ركوب الموجة ولتكثر الحديث عن الفساد والديمقراطية واحترام إرادة الشعب. ففي الضفة الغربية لا ينفع السحر ولا التلاعب على الشعارات إذ ستأخذ المعركة كل أبعادها. ويجلس أوباما وكلنتون في مكانيهما إلى جانب نتانياهو وليبرمان.

لقد وجدت الثورة المضادة عربياً ودولياَ ضالتها في معمّر القذافي ومن بعده في علي عبد الله صالح لينتهي مشهد الانتصار السريع للثورة الشبابية الشعبية الذي تمثل برحيل الرئيس وإسقاط بطانته ونظامه. ومن ثم يجب ألا يسمح باستمرار تحرّك الشارع الذي يريد أكثر من إسقاط الرئيس وإنما الإجهاز على بطانته وبقاياه وعلى نظامه، كما وإعادة بناء نظام جديد على أنقاضه.

تجربة أمريكا مع الثورتين التونسية والمصرية أقنعتها بعدم السماح للثورة بالانتصار، ومن ثم الرهان على محاولة احتواء النتائج بعد ذلك. لأن المرحلة القادمة والحالة هذه، ستكون في عالم المجهول وخاضعة لمحصلات صراع جديدة أصبح للشعب فيها حضور ورثه من انتصاره في الثورة.

أما على المستوى العربي فتجربة رحيل الرئيس في الحالتين التونسية والمصرية أثبتت أن الأمور لن تقف عند ذلك الحد، ليرجع الشعب إلى سابق عهده ويُعاد إنتاج النظام الساقط من جديد. وذلك لأن الشعب يريد محاكمة الفاسدين ومرتكبي الجرائم وهذا أول الغيث. ومن ثم ما العمل مع شعب "لا يُعطى عين"، وقد تبين أن ما في جعبته يتعدى رحيل الرئيس؟؟ 

بكلمة القوى المضادة للثورة أصبحت في حالة ذعر وكان لا بد من الاستنفار والرد قبل فوات الأوان. فالقذافي، مثلاً، وجد أن الأمر لن يتوقف عند الرحيل. وكذلك أصبح رأي علي عبد الله صالح وغيرهما من القيادات العربية. وهنا، التقت أو تقاطعت المواقف العربية والدولية باتجاه اللجوء إلى السلاح والذهاب في طريق قمع الثورة الشبابية الشعبية ولو وصل الأمر إلى حمامات الدم.

كانت السمة التي حكمت الصراع في العشر سنوات الماضية قد تمثلت بهجمة أميركية - صهيونية "لإعادة بناء ما يُسمى الشرق الأوسط الكبير". وكان دور من سُموا بقوى الاعتدال فيها ملحقاً وضعيفاً، وفي المقابل كانت المقاومات وقوى الممانعة الشعبية إلى جانب ايران وسورية، ثم انضمت تركيا، (بصورة غير مباشرة)، تتقدم للتصدي لهذه الهجمة، وتدخل في مواجهات مباشرة مع أميركا والكيان الصهيوني.
 
وقد وصلت إلى مستوى امتلاك زمام المبادرة والهجوم. وأخذت الهجمة الأميركية - الصهيونية بالاندحار أو التدهور. ودخلت قوى الاعتدال العربي في حال من الارتباك والشلل لتنضج من أجل تلقي ضربات قاضية من قبل الثورات الشبابية الشعبية كما حدث في مصر وتونس، وكما راح ينذر بالانتقال إلى غالبية الأقطار العربية مع التفاوت في سقوف التغيير المطلوب إذ تفاوتت بين خلع للرئيس ونظامه إلى إصلاحات دستورية جذرية أو شبه جذرية. 

ولكن مع الانتصارين السريعين للثورتين في تونس ومصر انتقلت القوى المستهدفة، أو التي أطيح بها من، حالة الارتباك والتراجع إلى الدفاع المستميت عن مواقفها وعدم الاستسلام بل إلى الهجوم لئلا يتكرر ما حدث في تونس ومصر. وذلك في كل من ليبيا واليمن والبحرين، كما على مستوى عربي عام، بما في ذلك في تونس ومصر بعد نجاح الثورتين. فقد أخذت قوى الثورة المضادة تستجمع قواها، وتصعّد من كيدها للالتفاف على الوضع الجديد وعدم السماح للثورة بأن تمضي قدماً وبخطوات ثابتة في تغيير النظام وتثبيت أركان العهد الجديد.

وبهذه انتقلت قوى الثورة المضادة وعدد من قوى الاعتدال العربي من حالة الدور الثانوي الذي يراهن على نتائج الهجمة الأميركية - الصهيونية في العشر سنوات الماضية إلى دور المواجه المباشر والمتصدي لوقف مدّ الثورات الشبابية الشعبية والالتفاف عليها من جهة، أما من الجهة الأخرى فقد راحت تعمل لتفكيك الجبهة التي خرجت منتصرة في كسر الهجمة الشرق أوسطية الصهيو - أميركية، أي الجبهة التي ضمت المقاومات وسورية وإيران وتركيا (مع تفاوت).

هذه المعادلة الجديدة سمحت لأميركا أن تلتقط أنفاسها بعد الذي واجهته من إخفاقات وأزمة مالية خانقة خلال عشر السنوات الماضية، وبعد الارتباك والشلل الذي أصابها وهي ترى أهم حليفين ونظامين لها في البلاد العربية يتهاويان أمام ثورتين شبابيتين شعبيتين منتصرتين. فانتقلت إلى الهجوم المضاد، بداية، من خلال التدخل العسكري في ليبيا والتدخل السياسي في اليمن وفتح معركة سياسية ومذهبية ضد إيران في الخليج ومروراً بشن حملة تحريض واسعة ضد سورية، وانتهاء بممارسة ضغوط هائلة على الثورتين في مصر وتونس للالتفاف عليهما، مع إعطاء الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لشن قصف جوي ضد المقاومة في قطاع غزة (وذلك بهدف تغيير المعادلة التي نشأت بعد حرب العدوان في ۲۰۰۸/۲۰۰۹، كما بهدف جسّ نبض الوضع الجديد في مصر والضغط عليه). هذا وسوف يصار إلى تحريك عملية التسوية.

وبهذا يكون الوضع العربي العام وكذلك الإقليمي والدولي قد دخل مرحلة جديدة تتسم بملامح غير ثابتة. فهي في حالة معركة حمّالة أوجه، وأمامها أكثر من احتمال. ويمكن اجمالها، مع درجة من التعميم، كما يلي:
دخول الأمة العربية في حالة ثورة شبابية شعبية مليونية انتصرت في تونس ومصر بالإطاحة بزين العابدين بن علي وحسني مبارك ونظاميهما، وانفتحت على مواجهات عسكرية مع تدخل خارجي عسكري أمريكي – أطلسي في ليبيا، وعلى مواجهة تقف على حافة حرب أهلية في اليمن، فضلاً عن هبوب رياح الثورة من المحيط إلى الخليج. 

وقد أثبتت هذه الثورة الشبابية الشعبية إنها شبه شاملة وبإنها عميقة ومصممة وطويلة الأمد وبأنها قادرة على اجتراح الانتصارات كما على الصمود في مواجهة ارتدادات الثورة المضادة. ويمكن القول أن ميزان القوى العالمي والإقليمي ما زال في مصلحتها. أي ما زالت الانتصارات أمامها. 

انتقلت القوى العربية المحلية التي راهنت على السياسات الأميركية وفرّطت في القضية الفلسطينية إلى مواقع العناد والتحدي: أولاً دفاعاً ضد الانهيار وثانياً في محاولة لوقف امتداد الثورات الشبابية الشعبية والالتفاف عليها. فهي تحاول استعادة زمام المبادرة التي فقدتها في العشر سنوات الماضية، فقدانا لم يسبق له مثيل، ثم فقدتها في مواجهة الثورات الشبابية الشعبية المليونية التي فاجأتها وراحت تهدد باكتساحها. 

فالثورة المضادة تتخذ الآن طابعاً عربياً في مقابل اتخاذ الثورة طابعاً عربيا ً شاملاً، كما يمكن اعتبارها قد انتقلت إلى الدفاع العنيف عن النفس، من دون أن يكون ناجحاً، ضد الثورات في ليبيا واليمن، كما أخذت تتهيأ للهجوم المضاد في مصر وتونس، وهذا ما يحدث في محاولة منع الحركات الشعبية الواسعة في الأقطار العربية الملكية من تحقيق أهدافها التي ترمي إلى تحويل الأنظمة الملكية إلى أنظمة ملكية دستورية في البحرين والأردن والسعودية والمغرب وعُمان. كما تمكنت من خلال سلطة رام الله وأجهزتها الأمنية المتعاونة مع العدو منع اندلاع انتفاضة شعبية في الضفة الغربية تطيح بالاحتلال والمستوطنات وتكون حافزاً لدفع الثورات الشعبية العربية إلى أمام. 

جبهة المقاومة والممانعة التي لعبت دوراً مبادراً وناجحاً في العشر سنوات الماضية لاسيّما في الخمس سنوات الأخيرة، والمتمثلة في المقاومات في فلسطين ولبنان والعراق، وعلى مستوى الدول في إيران وسورية وتركيا، وجدت نفسها تخلي، ولو، مؤقتاً، موقع الصدارة في مواجهة صراعات المرحلة السابقة لتحتله الثورات الشبابية الشعبية التي جاءت موضوعياً، لتكمل ما حققته المقاومة والممانعة في مسيرة تغيير موازين القوى في غير مصلحة أميركا والكيان الصهيوني كما في غير مصلحة القوى المحلية (الأنظمة اساساً) التي راهنت على أميركا أو رهنت سياساتها لها. 

فما تواجهه هذه الجبهة في المرحلة الراهنة يمكن تلخيصه، مع أعلى درجات الحذر، كما يلي:
ارتبك الموقف التركي في مواجهة تحديد موقف صحيح من الثورات المندلعة في مقابل الأنظمة التي له مع بعضها علاقات اقتصادية واسعة، ومع بعضها علاقات سياسية وثيقة. طبعاً هذا الارتباك قد يكون مؤقتاً إذ يمكن لتركيا استعادة زمام المبادرة في معادلات المرحلة الجديدة. 

إيران تواجه أزمة متصاعدة في علاقاتها بدول الخليج، ولاسيّما بعد أن تدخلت قوات درع الجزيرة في البحرين. وأن المشكلة هنا تتمثل في كون هذه الأزمة تؤثر سلباً في علاقاتها العربية ولاسيّما المستجد ومنها في مصر. هذا ويبدو أن علاقاتها بتركيا، وفي الغالب لأسباب تركية، أخذت تمر بدرجة من التباعد عما كانت عليه سابقاً. 

هـ- تواجه سورية باعتبارها الحلقة الرئيسية في الوصل بين أطراف جبهة المقاومة والممانعة (إيران، تركيا) حركة شبابية شعبية تطالب بإجراء اصلاحات أساسية في النظام. ولكن الوضع هنا يختلف عن بقية الدول العربية التي راحت تجتاحها رياح الثورات الشعبية. وذلك من ناحية الدور البارز والأساسي الذي لعبته وتلعبه سورية في احتضان المقاومة الفلسطينية وفي دعم المقاومة في لبنان وتسليحها ومشاركتها، شبه المباشرة، في حرب تموز/يوليو ۲۰۰۶، كما في دعم المقاومة في العراق لاسيّما في السنوات الأولى للاحتلال. وذلك إلى جانب دورها في العلاقة بكل من إيران وتركيا وممانعتها للسياسات التي حاولت أمريكا فرضها على البلاد العربية كما على القضية الفلسطينية. هذا ويسجل لها رفضها للمطالب الأميركية التي حملها وزير الخارجية الأميركية كولن باول بعد احتلال العراق.

هذا الاختلاف في الموقف السوري هو الذي جعل سقف التحركات الشعبية في حدود اجراء اصلاحات سياسية ومحقة، وحتى ضرورية لدعم السياسات الخارجية للنظام.
على أن مع الإبطاء في تحقيق هذه الاصلاحات أخذ التآمر الأميركي يشتد. وذلك بهدف مفاقمة الوضع. ومن ثم إضعاف الدور الذي كانت تلعبه جبهة المقاومة والممانعة، أو الذي يجب أن تلعبه في دعم المتغيرات الايجابية الثورية التي أخذت تجتاح الوطن العربي ولاسيّما بانتصار الثورة الشبابية الشعبية في تونس ومصر.

من هنا يمكن القول أن الوضع العربي العام بالرغم من تعقد المشهد في المرحلة الراهنة ما زال باتجاه عام في غير مصلحة أمريكا والكيان الصهيوني والثورة المضادة. فالتغيير الايجابي الذي حدث في مصر هو الأشد تأثيراً في مستقبل الوطن العربي في المرحلة القادمة، هذا ومن الممكن القول أن ميزان القوى العالمي والإقليمي والعربي ما زال في مصلحة الثورات الشبابية الشعبية في مصلحة المقاومات والممانعات بالرغم من هجمة الثورة المضادة ومحاولة أمريكا استعادة زمام المبادرة، وبالرغم من الأخطاء السياسية التي يمكن أن ترتكب من قبل أطراف في جبهة الثورات الشبابية الشعبية والمقاومات ودول الممانعة. وذلك بسبب زخم المتغيرات وسرعتها وتداخلها وجدّتها.

https://taghribnews.com/vdcfm1dj.w6dv0aikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز