صراع على السلطة أم تمهيد للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي؟
(تنا)
تساؤلات عديدة تطرح نفسها حول ما إذا كانت التطورات الجارية في تركيا خطوة من أجل التخلص من النظام العسكري وتعزيز هيمنة الحزب الحاكم، أم أنها خطوات سياسية مدروسة يقودها أردوغان تحت مظلة الإصلاح وتهدف إلى تحقيق المعايير الأوروبية "للديموقراطية" لقبول تركيا عضواً في الإتحاد الأوروبي.
شارک :
يواصل المجلس العسكري الأعلى في تركيا اجتماعاته التي بدأها الإثنين برئاسة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان على خلفية الإستقالة المفاجئة لأربعة من كبار قادة الجيش التركي في ۲۹ يوليو احتجاجا على اعتقال أكثر من ۲۵۰ ضابطا بتهمة التآمر على حكومة أردوغان.
وذكرت وكالة أنباء "الأناضول" التركية الرسمية أن المجلس يبحث في اجتماعه ترقية عدد من القيادات العسكرية إلى رتب أعلى ومناقشة التصرفات "غير المنضبطة واللاأخلاقية" التي صدرت من مسؤولين عسكريين كبار في الجيش التركي.
وكتبت صحيفة حرييت ديلي نيوز أمس الثلاثاء مقالاً بعنوان "تغيير السلطة في أنقرة" أرفقته بصورتين لاجتماع المجلس العسكري الأعلى التقطتا بفارق عدة أشهر.
ويشاهد في الصورتين الجنرالات وهم جالسون حول طاولة وخلفهم العلم التركي. إلا أن اجتماع العام ۲۰۱۰ كان برئاسة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وقائد أركان الجيش الجنرال "ايشيك كوشانر" في حين ظهر اردوغان وحده على رأس الطاولة في الصورة الاخيرة، والسبب هو استقالة الجنرال كوشانر الجمعة مع قادة القوات البرية والجوية والبحرية.
وسارع أردوغان لاختيار قائد قوات الامن السابق الجنرال "نجدت اوزال" لتولي منصب القائم باعمال رئيس هيئة الاركان بعد استقالة كوشانير لكن من غير المتوقع تعيينه رسميا كقائد عام الى أن يتم الاعلان عن حركة الترقيات كلها يوم الخميس القادم.
ولم يشارك أردوغان في جلسة المجلس العسكري الأعلى بعد ظهر أول أمس وأجرى بدلا من ذلك محادثات مع اوزال، ثم اجتمع أردوغان مع رئيس وكالة المخابرات العسكرية ووزير الداخلية "إدريس نعيم شاهين".
وانضم اردوغان في وقت لاحق الى كبار الجنرالات للقيام بزيارة تقليدية لقبر "مصطفى كمال اتاتورك" مؤسس تركيا الحديثة، وبعد وضع اكليل من الزهور كتب أردوغان في سجل الزيارات "قواتنا المسلحة تحقق تقدما كبيرا في واجباتها الدفاعية من خلال تحسين رؤيتها".
وكان نفوذ جنرالات الجيش التركي قد تراجع بشكل واضح منذ عام ۲۰۰۷ بعد خسارة معركة رئاسة الجمهورية لمصلحة مرشح "حزب العدالة والتنمية" عبد الله غول، والكشف عن قضية منظمة "أرغناكون" المتهمة بالتخطيط للانقلاب على الحكومة واغتيال أردوغان، ووصل الجيش إلى ذروة التراجع العام الماضي بعد الكشف عن محاولة انقلاب مزعومة عرفت باسم مؤامرة "المطرقة" والتي تستند إلى أحداث طرحت في منتدى عسكري عقد عام ۲۰۰۳، وقال الضباط المتهمون إنه كان مجرد تدريب على مناورات عسكرية وإن الأدلة المقدمة ضدهم ملفقة.
ويرى محللون أن الإستقالة المفاجئة لأربعة من كبار ضباط الجيش التركي ستمكن اردوغان من تعزيز سيطرته على الجيش الذي كان يملك يوماً سلطة مطلقة وقام بسلسلة انقلابات منذ عام ۱۹۶۰ وآخرها انقلاب ۱۲ ايلول/سبتمبر ۱۹۸۰، بقيادة الجنرال "كنعان إيفرين" حيث تم إعدام مئات الناشطين السياسيين وحظر الأحزاب.
وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط "حسن لاسجردي" في حديث لوكالة أنباء التقریب إن الإستقالات وإن جاءت للإحتجاج على اعتقال ۲۵۰ ضابطاً في الجيش، إلا أنها في الحقيقة تشير إلى حصول تغييرات جذرية في موازين القوى في تركيا.
واعتبر لاسجردي بأن ما حصل هو ردة فعل من جانب الجيش إزاء تضاؤل دور المؤسسة العسكرية في إدارة الشؤون السياسية في البلاد وسعي الحكومة لتعزيز هيمنتها على المجلس العسكري الأعلى.
وأضاف: يبدو أن الحزب الحاكم كان يتوقع مثل هذا التطور، حيث قلل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من أهمية تلك الاستقالات، ما يعني أن الحكومة تتعاطى مع الموضوع من موقع القوة.
ومهما يكن من أمر، فإن هناك تساؤلات عديدة تطرح نفسها حول ما إذا كانت التطورات الجارية في تركيا خطوة من أجل التخلص من النظام العسكري وتعزيز هيمنة الحزب الحاكم، أم أنها خطوات سياسية مدروسة يقودها أردوغان تحت مظلة الإصلاح وتهدف إلى تحقيق المعايير الأوروبية "للديموقراطية" لقبول تركيا عضواً في الإتحاد الأوروبي، وخاصة بعدما أعلنه أردوغان في خطابه الشهري المتلفز للشعب التركي عقب استقالة الجنرالات من أن بلاده سوف تستبدل دستورها الحالي بآخر "أكثر شمولاً وليبرالية وتماسكاً".