تاريخ النشر2011 13 August ساعة 19:53
رقم : 59587
بقلم الشيخ ماهر حمود

"نصيحة إلى الإسلاميين الذين يتظاهرون ضد سوريا"

تنا - بيروت
"نصيحة إلى الإسلاميين الذين يتظاهرون ضد سوريا"
انه لمن المؤلم أن تكون الأمور مختلطة عند كثير من الإسلاميين ، فلا تكون الأمور واضحة في أذهانهم ويحتاجون إلى تصحيح الرؤية السياسية ، ويحتاجون إلى النصيحة والتصويب ، بدلا أن يكونوا هم الذين ينصحون ويصححون للناس أخطاءهم ومواقفهم . وهنا يصح قول الشاعر مع تصرف :
يا علماء الدين يا ملح البلد من يصلح الملح إذا الملح فسد
ولعل السبب في هذا الموضوع هو عدم ارتباط الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية التي يحملون بالمواقف السياسية التي يتخذونها ، وذلك أن الانتماء إلى الإسلام يفترض أن يغير الإنسان تغييرا جذريا من باطنه إلى ظاهره ، عندما يحصل ذلك يقال فلان حسن إسلامه ، وان كان الإسلام ظل يحكم جزءا من شخصية ، فيما لا يزال جزء آخر خاضعا لأفكار وانتماءات اصطحبها معه قبل دخوله للإسلام ، نقول عند ذلك انه لم يحسن إسلامه .
وهنالك أمثلة كثيرة عن جماعات دخلوا في الإسلام وظهرت جاهليتهم عند الخصام مع آخرين ، سواء لجهة الانتماء القبلي أو لغيرها .
وهنا تكمن القصة ... إن المواقف السياسية التي يتخذها "الإسلاميون" مع بعض التحفظ على هذا الوصف ليست نابعة عن إسلاميتهم ، بل انتمائهم "القبلي" الطائفي أو المذهبي أو الإقليمي أو الحزبي وما إلى ذلك ، ولنا على ذلك :
۱- لو كان الموقف الحالي من الأحداث في سوريا نابعا من الانتماء الإسلامي الحقيقي ، لكان يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الموقف السوري المميز من المقاومة في لبنان وفي فلسطين ، حيث كانت سوريا مميزة عن الجميع ودفعت ثمنا باهظا لموقفها ، ولولا ذلك الدعم المميز لما كان انتصار غزة ولما كانت حركة حماس التي تتخذ من دمشق مركزا ومقرا ، لما كانت تستطيع أن تؤدي ما تؤديه من مواقف وانجازات .
۲- طبعا .. إن إعجابنا بالموقف السوري الممانع والمقاوم لا يجعلنا ننسى أخطاء وانحرافات وقع بها ، ويقع كثيرون من المسؤولين في سوريا ، وخاصة الجهات الأمنية وما إلى ذلك ، ولكن أيضا ينسى هؤلاء قاعدة أسلامية مشهورة ملخصة بقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} الحجرات۶ ، إنهم يصدقون وسائل الإعلام الغربية والفضائيات التي أعلنت بكل وضوح موقفا معارضا بل محاربا لسوريا ... كيف يصدقون هذا الإعلام المغرض ، ويحرضون الناس من خلال ما يسمعون مباشرة دون التحقق والتدقيق ؟ .. روى لنا شهود عيان حقيقيون أن الواقع هو غير ما تسمعون في الإذاعات والفضائيات تماما ، بل هنالك قلب للحقائق بشكل كامل في بعض المناطق المهمة .
۳- طبعا .. نحن ندين أيضا البطأ باتخاذ الخطوات الإصلاحية الموعودة ، ونطالب بفتح الحياة السياسية على مصراعيها ، وإلغاء فكرة حكم الحزب الواحد وإتمام قانون العفو ليشمل الجميع ، وإطلاق المعتقلين السياسيين ومحاسبة المعتدين على المتظاهرين ومحاسبة المقصرين في هذا المجال ...الخ .
۴- ولكن الفارق كبير بين أن نطالب بإصلاح مرتكز على أسس ومبادئ سليمة وبين أن نفتح الباب على احتمالات الفتنة بكل أبعادها ، حيث نسمع من بعض الذين يدعون أنهم ثوار ضد النظام في سوريا كلاما تحريضيا جاهليا يستند إلى النعرات المذهبية ، ولا يجد أي مانع من إطلاق الأكاذيب والإشاعات ، بل يشير ذلك الشيخ المزعوم (عدنان العرعور) من على الفضائيات التي أصبحت مشهورة بسببه ، يشير بيديه أن اذبحوا اذبحوا اذبحوا .. ورأينا نتيجة ذلك في الفتن المتلاحقة وتشويه الجثث وإلقائها في الأنهار وعلى مفارق الطرق ، وقطع الأوصال وما إلى ذلك .
۵- هل هذا هو البديل ؟ ... سيكون الوضع في العراق نموذجا راقيا عما سنراه في سوريا ، لو قدر لهؤلاء ، لا سمح الله ، أن يمسكوا بزمام الأمور ، مزودين باحقاد دفينة وجهل مركب وافق ضيق .
۶- ثم السؤال الموجه إلى الإسلاميين (وهم إسلاميون من دون شك في عبادتهم وسلوكهم الشخصي ، ولكنهم ليسوا إسلاميين في موقفهم السياسي بالتأكيد) .. نوجه إليهم سؤالا يختصر كل المشهد ، هل الذي يحصل هو فتنة أم ثورة ؟ ، إذا كان ثورة فمعنى ذلك أن الحق واضح جدا في جهة والباطل واضح في جهة أخرى ، وبالتأكيد الأمر ليس كذلك في سوريا . ففي كلا الفريقين يختلط الحق والباطل ، ونحن نرى أن الحق أكثر في جهة النظام يخالطه باطل ، مثل تفريق المتظاهرين بالرصاص ، رغم تأكيدنا أن هنالك مبالغة بالأرقام دون شك من جهة ، ومن جهة أخرى لا يعترف الإعلام المضاد بعدد كبير من القتلى يقع نتيجة أعمال الفوضى والنهب التي يقوم بها شبيحة "الثورة"... والحق موجود مع المتظاهرين لجهة المطالب المحقة ، والباطل موجود بشكل واضح لجهة الجهات الأجنبية التي تحرك وتستغل وتستفيد من التحركات الشعبية وتغذيها وتوجهها وفق مصالحها ... الخ . عندما يختلط الحق بالباطل يصبح الأمر فتنة وليس ثورة ، والمسلم في الفتنة مهمته ألا يسعّرها ويزيدها .. (كن في الفتنة كابن اللبون لا ضرعا يحلب ولا ظهر يركب) ، كما في الحديث الشريف ،
۷- هذا مختصر الموقف الشرعي ، وليس التحريض على القتل والدعوة إلى الفتنة العارمة والى تبديل الواقع الموجود بالفتنة المفتوحة على كل الاحتمالات .
هل من مجيب ؟
۸- ندعوكم قبل خراب البصرة إلى مراجعة الحسابات والنظر إلى الموضوع بعيدا عن التشنج والعصبيات ، عسى أن نخرج من هذه الفتنة بأقل الخسائر .

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ...


https://taghribnews.com/vdcfetdt.w6d1caikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز