تاريخ النشر2010 24 September ساعة 21:27
رقم : 26484

إسرائيل لن تستطيع الفوزَ

اسرائيل لا تستطيع في اي حرب قادمة ضد لبنان وباي استراتيجية ومع اي عدد من قواتها العسكرية ان تحقق اهدافها في التخلص من حزب الله .
إسرائيل لن تستطيع الفوزَ
وكالة انباء التقريب (تنا) :
حكومة نتنياهو ملتزمةٌ بتركيز انتباه المجتمع الدوليّ على وقف البرنامج النوويّ الإيرانيّ هناك كلامٌ كثير هذه الأيّام عن أنّ إسرائيل قد تشنّ قريبًا حربًا ثالثة كبيرةً على لبنان بهدف إنزال هزيمةٍ حاسمةٍ بحزب اللّه. لكنْ يرجَّح ألا يحدثَ ذلك، أساسًا لأنّ إسرائيل لن تستطيع الفوزَ في هذه الحرب بأيّ طريقةٍ ذاتِ معنًى. فلنتأمّل الخياراتِ العسكريّة الأساسيّة أمام الجيش الإسرائيليّ.
بمقدور هذا الجيش أن يغزو جنوبَ لبنان بأعدادٍ كبيرةٍ من القوات البرّية، وأَنْ يَسْعى إلى هزيمة حزب اللّه . لكنّ إسرائيل ستَخْسر لأنّ مقاتلي الحزب سيََذُوبون في المناطق الآهلة بالسكّان وفي القرى، ومن هناك سيَشنّون حربَ عصاباتٍ ضدّها. هذا ما حدث أثناء حرب لبنان الأولى (۱۹۸۲ــــ۲۰۰۰) التي انتهت بعدما سلّمتْ إسرائيل بأنّها لم تستطع هزيمةَ حزب اللّه، وسحبتْ قوّاتها من لبنان. وليس مستغربًا أنّ إسرائيلُ لم تشنّ هجومًا بريًا ضخمًا على جنوب لبنان أثناء حربها الثانية (۲۰۰۶)؛ فلقد خاف جيشُها أن يشتبكَ مع حزب اللّه على الأرض لأنّه كان يَعْرف أنّه لن يستطيع الفوزَ وأنّه قد ينتهي على الأرجح عالقًا في مستنقع من الأوحال شبيه بذاك الذي عَلِقَ فيه ثمانيةَ عشر عامًا أثناء الحرب الأولى (۱۹۸۲ــــ۲۰۰۰).
وفي صيف ۲۰۰۶ حاولتْ إسرائيل أن تعتمد على سلاح الجوّ، بدلاً من القوّات البريّة، لهزيمة حزب اللّه. فسعى جيشُها إلى نزع سلاح الحزب بقصف مقاتليه وقواعده من الجوّ، وعاقب الحكومةَ اللبنانيّةَ والشعبَ اللبنانيّ بالقصف الجويّ أيضًا. وكان يُفترض بالخطوة الأخيرة أن تُقنعَ الحكومةَ اللبنانيّةَ بمعاقبة حزب اللّه بنفسها. غير أنّ هذه الاستراتيجيّة المزدوجة فشلتْ، وستفشل من جديد إن اعتمدتها إسرائيلُ في حربٍ مقبلة.
فبدايةً، يَصْعب كثيرًا العثورُ على مقاتلي حزب اللّه، وتدميرُهم بالقوّة الجوّيّة، لأنّ هؤلاء يتألّفون إلى حدّ كبير من قواتٍ  شعبية ، مطوعة مقاتله في اطار مجموعاتٍ صغيرة، ونادرًا ما يَخْرجون إلى مساحاتٍ مكشوفةٍ تُسهِّل العثورَ عليهم وتدميرَهم. إنّ مطاردة حزب اللّه ليست كمطاردة فرقةٍ مدرّعة سيكون أسهلَ كثيرًا إيجادُها واستهدافُها. غير أنّه لا شكّ على الإطلاق في قدرة الجيش الإسرائيليّ على تدمير عددٍ كبيرٍ من صواريخ الحزب، كما سبق أن فعل عام ۲۰۰۶. لكنّه لن يكون واثقًا بقدرته على تدميرها كلّها، وسيستطيع حزبُ اللّه إطلاقَ عددٍ كبير منها على إسرائيل أثناء الحرب. بعد ذلك ستملأ إيرانُ وسوريا ما نقَص من ترسانة الحزب، الأمرُ الذي سيعيد إسرائيلَ إلى ما كانت عليه قبل الحرب. بل قد تصير في وضع أسوأ إذا تلقّى حزبُ اللّه صواريخَ أشدّ تطوّرًا، وهو ما يبدو أنّه حدث خلال الأعوام الأربعة الأخيرة.
ثم إنّ قصفَ بيروت وأهدافٍ مدنيّةٍ أخرى عملٌ أحمقُ هو الآخر. وأمامنا وفرةٌ من البراهين التاريخيّة ــــ بما فيها حربُ عام ۲۰۰۶ ــــ تبيِّن بجلاء أنّ قصف المراكز السكّانيّة والبنيةِ التحتيّة والمقارّ الحكوميّة سيَدْفع الشعبَ اللبنانيّ وحكومتَه إلى الدفاع عن حزب اللّه وإلى اعتبار إسرائيل المجرم الشرير.
ولكنْ إنْ حصلتْ معجزةٌ وأدّى القصفُ غرضَه، فإنّ زعماءَ لبنان لا يَمْلكون من العضلات السياسيّة ما يُجْبر حزبَ اللّه على تغيير تصرّفاته حيال إسرائيل. باختصار، لا قوّاتُ إسرائيل البريّة، ولا قوتُها الجويّة، وسيلةٌ مفيدةٌ لمحو خطر حزب اللّه، بل لا للتقليل منه كثيراً.

هناك سببان إضافيّان لعدم ترجيح شنّ إسرائيل حربًا جديدةً على لبنان. فكثير من الإسرائيليّين قلقون من أنّ أعدادًا كبيرة من الناس في العالم اليوم يَعتبرون إسرائيل دولةً منبوذةً. وقد قال المستطلَعون في استطلاع للرأي العام العالميّ جرى هذا العام (۲۰۱۰) إنّ إسرائيل وإيران وباكستان تمتلك أكبرَ تأثير سلبيّ في العالم؛ بل إنّ كوريا الشماليّة حازت مرتبةً أفضل! وهذا الوضع جاء إلى حدّ كبير نتيجةً لحرب إسرائيل على لبنان عام ۲۰۰۶، ومجزرةِ غزّة ۲۰۰۸ــــ۲۰۰۹، والهجوم على سفينة مرمرة عام ۲۰۱۰، والوحشيّة المتواصلة ضدّ الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة عام ۶۷. لذا فإنّ حربًا جديدةً دمويّةً وغيرَ مجدية على لبنان ستزيد من تدمير سمعة إسرائيل الملطّخة.
ويتّصل بهذا كلّه سببٌ آخر، وهو أنّ حكومة نتنياهو ملتزمةٌ التزامًا عميقًا بدفع المجتمع الدوليّ إلى تركيز انتباهه على وقف البرنامج النوويّ الإيرانيّ. لذا فإنّ بدءَ حرب أخرى على لبنان، وهي حربٌ قد تَشْمل ضربَ أهداف في سوريا، يُمْكن أن تَحْرف الانتباهَ عن إيران، وتجعلَ من الصعب على الولايات المتحدة أن تحافظ على جبهة موحّدة ضدّ هذا البلد.
ومع ذلك فإنّه لا يمكن أبدًا استبعادُ احتمال أن تفتعلَ إسرائيلُ قتالاً مع حزب اللّه، وإنْ كان ذلك بلا أيّ معنى استراتيجيّ. فإسرائيل، في نهاية المطاف، تُدمِنُ استخدامَ القوّة الوحشيّة ضدّ العرب، مع أنّ معدّلَ نجاحها في السنوات الأخيرة منخفضٌ إلى حدٍّ يُرثى له. والحقيقة أنّ كلّ محاولة فاشلة تولِّد ضغطًا لشنّ حرب جديدة؛ ذلك أنّ الهزيمة تَدْفع بإسرائيل إلى الاعتقاد أنّ سمعتها الردعيّة قد أُضعفتْ، وأنّ عليها أن تُستعادَ.
قد يأمل المرءُ في أن يوقفَ الرئيس أوباما إسرائيلَ إنْ هي بدأتْ، بحماقة، الإعدادَ لشنّ حرب ثالثة على لبنان. غير أنّ ذلك لن يحصل لأنّ اللوبي الإسرائيليّ سيجعل من شبه المستحيل على أوباما أن يواجهَ إسرائيل. بل سيُجبر اللوبي أوباما على دعم إسرائيل إلى النهاية، مثلما ضَغَطَ على الرئيس جورج دبليو بوش لدعم إسرائيل دعمًا تامًا أثناء حرب لبنان عام ۲۰۰۶. ولمن يظنّون أنّ أوباما يمكن أن يكون مختلفًا عن بوش، فليتذكّروا أنّ أوباما التزم الصمتَ أثناء مجزرة غزّة، ثم سَمَحَ لإدارته بأن تستخفَّ بتقرير غولدستون الذي قدّم تعميمًا دقيقًا ومتأنّيًا لأفعال إسرائيل في تلك الأزمة الدامية. إنّ أوباما ليس ندًا للّوبي الإسرائيلي.
الأملُ الأساسُ للحؤول دون حرب كبيرة جديدة على لبنان هو أن يدرك نتنياهو وضبّاطُه أنّ مثل هذه الحرب ليست في مصلحة إسرائيل. ولمّا كانت إسرائيل قد خسرتْ مرتين في لبنان، ولمّا كان ينبغي أن يتّضح اليوم أنْ لا معادلةَ سريّةً لكسب حرب ثالثة ضدّ حزب اللّه، فمن المأمون أن نَفترض أنّ إسرائيل لن «تطلق النارَ على قدمها» من جديد. غير أنّ أحدًا لا يدري على وجه التعيين! 
جون مِيرشايْمِر
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة شيكاغو، وأحد مؤلّفَي الكتاب الشهير: «اللوبي الصهيونيّ والسياسة الخارجيّة الأميركيّة» (مع ستيفان والت).



https://taghribnews.com/vdcfjjd0.w6dvcaikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز